إنه الخريف، رجل وامرأة على وشك مغادرة مطعم يقع في قلب الجبال اللبنانية.
يفاجآن بصوت طائرات مقاتلة تحلق على ارتفاع منخفض، منذرة ربما باندلاع الحرب من جديد. يغفل الرجل عن المرأة، ويبدأ في البحث عنها، يجدها على الجانب الآخر من الجبل. يغرقان معاً في عمق الطبيعة، محاولين التشبث بالخيط الرفيع الذي يربطهما ببعضهما البعض.
الفيلم يطغى عليه الطابع التأملي للشخصين، فهما لا يتحدثان كثيراً، هل هو تأثير الطبيعة المحيطة، أو الشعور بعدم الاستقرار الذي يبثه صوت الطائرات، أم تشديد على عدم القدرة على التواصل بين هذين الحبيبين.
يأخذ الوسيط السمعي والبصري من موسيقى ومناظر طبيعية تضج بألوان الخريف الخلابة، حيزاً كبيراً من العمل. يعكس الفيلم شعوراً بالغموض، مع عدم الاستقرار العاطفي. الرجل والمرأة وحيدان في الغابة التي يزينها الخريف، طريقهما مفخخة بالألغام، ومقسمة بأسوار تحيط بالمكان. يتحركان في الغابة، من دون وجهة محددة.
هل هما ضائعين؟ هل المشي واستكشاف ما تقدمه المساحة الشاسعة سيساعدانهما على التواصل والبوح بمكنوناتهما العميقة؟
يصور الرجل المرأة بالهاتف، كما لو كان يريد أن يثبت لنفسه أنها موجودة. يفتقر الفيلم إلى الحوارات، هذان الحبيبان يعانيان من صعوبة في التحادث، هل هي فوضى عواطفهما؟ أم الفوضى المحيطة بهما التي تضعهما في متاهة؟
صمت الحبيبين وهما يسيران من دون هدف، يتوقع المشاهد أن حوارهما سوف يتضمن أسئلة عميقة ووجودية، ليتفاجأ بسؤال عن التوقيت الذي اختارته المرأة لمقابلة الرجل، فهو يتساءل لماذا وافقت على أن تقابله؟ لماذا اليوم؟ لماذا لم توافق البارحة أو الأسبوع الماضي؟ وكأن ما يهم في العلاقة بين حبيبين، هو الوقت الذي نختاره للذهاب نحو الآخر، وليس القرار بحد ذاته.
حتى في نهاية الفيلم يقول الرجل للمرأة أحبك وهي لا ترد.
"النهر" هو الفيلم الثالث من ثلاثية أفلام نفذها المخرج اللبناني غسان سلهب، كانت إنطلاقتها عام 2010 مع فيلم "الجبل"، وبعده فيلم "الوادي" عام 2014. اختير فيلم "النهر" ضمن منافسات المسابقة الرسمية للدورة الـ74 لمهرجان لوكارنو السينمائي الدولي.
الفيلم من بطولة الممثلين الفلسطينيين علي سليمان ويمنى مروان.